فصل: تفسير الآيات (1- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.سورة القدر:

.تفسير الآيات (1- 5):

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}
قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} فيه وجهان:
أحدهما: يعني جبريل، أنزله الله في ليلة القدر بما نزل به من الوحي.
الثاني: يعني القرآن؛ وفيه قولان:
أحدهما: ما روى ابن عباس قال: نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر في ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله تعالى في اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمته السفرة على جبريل في عشرين ليلة، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة، وكان ينزل على مواقع النجوم أرسالاً في الشهور والأيام.
القول الثاني: أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر، قاله الشعبي.
واختلف في ليلة القدر مع اتفاقهم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها في وتر العشر أوجد، إلا ابن عمر فإنه زعم أنها في الشهر كله.
فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنها في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين لحديث أبي سعيد الخدري، وذهب أبيّ بن كعب وابن عباس إلى أنها في ليلة سبع وعشرين.
واختلف في الدليل، فاستدل أبيّ بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من علامتها أن تصبح الشمس لا شعاع لها»، قال: وقد رأيت ذلك في صبيحة سبع وعشرين، واستدل ابن عباس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سورة القدر ثلاثون كلمة فهي في قوله {سلام} و{هي} الكلمة السابعة والعشرون، فدل أنها فيها.
وقال آخرون: هي في ليلة أربع وعشرين للخبر المروي في تنزيل الصحف، وقال آخرون: إن الله تعالى ينقلها في كل عام من ليلة إلى أخرى ليكون الناس في جميع العشر مجتهدين، ولرؤيتها متوقعين.
وفي تسميتها ليلة القدر أربعة أوجه:
أحدها: لأن الله تعالى قدر فيها إنزال القرآن.
الثاني: لأن الله تعالى يقدر فيها أمور السنة، أي يقضيها، وهو معنى قول مجاهد.
الثالث: لعظم قدرها وجلالة خطرها، من قولهم رجل له قدر، ذكره ابن عيسى.
الرابع: لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً وثواباً جزيلاً.
{وما أدْراكَ ما لَيْلَةُ القَدْرِ} تنبيهاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم على فضلها، وحثّاً على العمل فياه، قال الشعبي: وليلتها كيومها، ويومها كليلتها.
قال الفراء: كل ما في القرآن من قوله تعالى: {وما أدراك} فقد أدراه، وما كان من قوله (وما يدريك) فلم يدره.
قال الضحاك: لا يقدر الله في ليلة القدر إلا السعادة والنعم، ويقدر في غيرها البلايا والنقم، وقال عكرمة: كان ابن عباس يسمي ليلة القدر ليلة التعظيم، وليلة النصف من شعبان ليلة البراءة، وليلتي العيدين ليلة الجائزة.
{ليلةُ القدْرِ خيرٌ من أَلْفِ شَهْرٍ} فيه ستة أقاويل:
أحدها: ليلة القدر خير من عمر ألف شهر، قاله الربيع.
الثاني: أن العمل في ليلة القدر خير من العمل في غيرها ألف شهر، قاله مجاهد.
الثالث: أن ليلة القدر خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، قاله قتادة.
الرابع: أنه كان رجل في بني إسرائيل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد العدوّ حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأخبر الله تعالى أن قيام ليلة القدر خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر، رواه ابن أبي نجيح ومجاهد.
الخامس: أن ملك سليمان كان خمسمائة شهر، وملك ذي القرنين كان خمسمائة شهر، فصار ملكهما ألف شهر، فجعل العمل في ليلة القدر خيراً من زمان ملكهما.
{تَنَزَّلُ الملائكةُ والرُّوحُ فيها} قال أبو هريرة: الملائكة في ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى.
وفي {الروح} ها هنا أربعة أقاويل:
أحدها: جبريل عليه السلام، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: حفظة الملائكة، قاله ابن أبي نجيح.
الثالث: أنهم أشرف الملائكة وأقربهم من الله، قاله مقاتل.
الرابع: أنهم جند من الله من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً.
ويحتمل إن لم يثبت فيه نص قولاً خامساً: أن الروح والرحمة تنزل بها الملائكة على أهلها، دليله قوله تعالى: {ينزّل الملائكة بالرُّوح من أمْره على من يشَاءُ من عباده} أي بالرحمة.
{بإذْن ربِّهم} يعني بأمر ربهم.
{مِن كل أمْرٍ} يعني يُقضى في تلك الليلة من رزق وأجل إلى مثلها من العام القابل.
وقرأ ابن عباس: من كل امرئ، فتأولها الكلبي على أن جبريل ينزل فيها مع الملائكة فيسلمون على كل امرئ مسلم.
{سلامٌ هي حتى مطلع الفَجْر} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن ليلة القدر هي ليلة سالمة من كل شر، لا يحدث فيها حدث ولا يرسل فيها شيطان، قاله مجاهد.
الثاني: أن ليلة القدر هي سلام وخير وبركة، قاله قتادة.
الثالث: أن الملائكة تسلم على المؤمنين في ليلة القدر إلى مطلع الفجر، قاله الكلبي.

.سورة البينة:

.تفسير الآيات (1- 8):

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)}
قوله تعالى: {لم يَكُنِ الّذِينَ كَفَروا مِنْ أهْلِ الكِتابِ والمُشْرِكينَ مُنفَكِّينَ} معناه لم يكن الذين كفروا من اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب، ولم يكن المشركون الذين هم عبدة الأوثان من العرب، وغيرهم الذين ليس لهم كتاب..
{منفكين} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: لم يكونوا منتهين عن الشرك {حتى تأتيهم البَيِّنَةُ} حتى يتبين لهم الحق. وهذا قول ثان: لم يزالوا مقيمين على الشرك والريبة حتى تأتيهم البينة، يعنى الرسل، قاله الربيع.
الثالث: لم يفترقوا ولم يختلفوا أن الله سيبعث إليهم رسولاً حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وتفرقوا، فمنهم من آمن بربه، ومنهم من كفر، قاله ابن عيسى.
الرابع: لم يكونوا ليتركوا منفكين من حجج الله تعالى، حتى تأتيهم البينة التي تقوم بها عليهم الحجة، قال امرؤ القيس:
إذا قُلْتُ أَنْفَكَّ مِن حُبّها ** أبى عالقُ الحُبِّ إلا لُزوما

وفي {البيّنة} ها هنا ثلاثة أوجه:
أحدها: القرآن، قاله قتادة.
الثاني: الرسول الذي بانت فيه دلائل النبوة.
الثالث: بيان الحق وظهور الحجج.
وفي قراءة أبيّ بن كعب: ما كان الذي كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين، وفي قراءة ابن مسعود: لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكين.
{رسولٌ مِن الله} يعني محمداً.
{يَتْلُواْ صُحُفاً مُطَهّرَةً} يعني القرآن.
ويحتمل ثانياً: يتعقب بنبوته نزول الصحف المطهرة على الأنبياء قبله. وفي {مطهرة} وجهان:
أحدهما: من الشرك، قاله عكرمة.
الثاني: مطهرة الحكم بحسن الذكر والثناء، قاله قتادة.
ويحتمل ثالثاً: لنزولها من عند الله.
{فيها كُتُبٌ قَيِّمةٌ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني كتب الله المستقيمة التي جاء القرآن بذكرها، وثبت فيه صدقها، حكاه ابن عيسى.
الثاني: يعني فروض الله العادلة، قاله السدي.
{وما تَفَرَّقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ} يعني اليهود والنصارى.
{إلاّ مِن بَعْدِ ما جاءتْهم البْيِّنَةُ} فيه قولان:
احدهما: القرآن، قاله أبو العالية.
الثاني: محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن شجرة.
ويحتمل ثالثاً: البينة ما في كتبهم من صحة نبوته.
{وما أُمِروا إلاّ ليَعْبُدوا الله مُخْلِصينَ له الدِّينَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مُقِرِّين له بالعبادة.
الثاني: ناوين بقلوبهم وجه الله تعالى في عبادتهم.
الثالث: إذا قال لا إله إلا الله أن يقول على أثرها (الحمد لله)، قاله ابن جرير.
ويحتمل رابعاً: إلا ليخلصوا دينهم في الإقرار بنبوته.
{حُنفاءَ} فيه ستة أوجه:
أحدها: متبعين.
الثاني: مستقيمين، قاله محمد بن كعب.
الثالث: مخلصين، قاله خصيف.
الرابع: مسلمين، قاله الضحاك، وقال الشاعر:
أخليفة الرحمنِ إنا مَعْشرٌ ** حُنفاءُ نسجُدُ بُكرةً وأصيلاً

الخامس: يعني حجّاجاً، قاله ابن عباس؛ وقال عطية العوفي: إذا اجتمع الحنيف والمسلم كان معنى الحنيف الحاج وإذا انفرد الحنيف كان معناه المسلم، وقال سعيد بن جبير: لا تسمي العرب الحنيف إلا لمن حج واختتن.
السادس: أنهم المؤمنون بالرسل كلهم، قاله أبو قلابة.
{ويُقيموا الصّلاةَ ويُؤْتُوا الزّكاةَ وذلكَ دينُ القَيِّمَةِ} وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه وذلك دين الأمة المستقيمة.
الثاني: وذلك دين القضاء القيم، قاله ابن عباس.
الثالث: وذلك الحساب المبين، قاله مقاتل.
ويحتمل رابعاً: وذلك دين من قام لله بحقه.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أولئك هُمْ شَرُّ البرية * إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أولئك هُمْ خَيْرُ البرية * جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}

.سورة الزلزلة:

.تفسير الآيات (1- 8):

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
قوله تعالى: {إذا زُلزِلت الأرض زِلزالها} أي حركت الأرض حركتها، والزلزلة شدة الحركة، فيكون من زل يزل.
وفي قوله {زِلزالها} وجهان:
أحدهما: لأنها غاية زلازلها المتوقعة.
الثاني: لأنها عامة في جميع الأرض، بخلاف الزلازل المعهودة في بعض الأرض.
وهذا الخطاب لمن لا يؤمن بالبعث وعيد وتهديد، ولمن يؤمن به إنذار وتحذير، واختلف في هذه الزلزلة على قولين: أحدهما: أنها في الدنيا من أشراط الساعة، وهو قول الأكثرين.
الثاني: أنها الزلزلة يوم القيامة، قاله خارجة بن زيد وطائفة.
{وأَخْرَجَتِ الأرضُ أَثْقَالَها} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها:............
الثاني: ما عليها من جميع الأثقال، وهذا قول عكرمة.
ويحتمل قول الفريقين.
ويحتمل رابعاً: أخرجت أسرارها التي استودعتها، قال أبو عبيدة: إذا كان الثقل في بطن الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها.
{وقالَ الإنسانُ ما لَها} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما لها زلزلت زلزالها.
الثاني: ما لها أخرجت أثقالها.
وفي المراد بهذا {الإنسان} قولان:
أحدهما: أن المراد جميع الناس من مؤمن وكافر، وهذا قول من جعله في الدنيا من أشراط الساعة لأنهم لا يعلمون جميعأً أنها من أشراط الساعة في ابتداء أمرها حتى يتحققوا عمومها، فلذلك سأل بعضهم بعضاً عنها.
الثاني: أنهم الكفار خاصة، وهذا قول من جعلها زلزلة القيامة، لأن المؤمن يعترف بها فهو لا يسأل عنها، والكافر جاحد لها فلذلك يسأل عنها.
{يومئذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَها} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تحدث أخبارها بأعمال العباد على ظهرها، قاله أبو هريرة ورواه مرفوعاً، وهذا قول من زعم أنها زلزلة القيامة.
الثالث: تحدث بقيام الساعة إذا قال الإنسان ما لها، قال ابن مسعود: فتخبر بأن أمر الدنيا قد انقضى، وأن أمر الآخرة قد أتى، فيكون ذلك منها جواباً عند سؤالهم، وعيداً للكافر وإنذاراً للمؤمن.
وفي حديثها بأخبارها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الله تعالى يقلبها حيواناً ناطقاً فتتكلم بذلك.
الثاني: أن الله تعالى يُحدث الكلام فيها.
الثالث: يكون الكلام منها بياناً يقوم مقام الكلام.
{بأنَّ ربّك أوْحَى لَهَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه أوحى إليها بأن ألهمها فأطاعت، كما قال العجاج:
أَوْحى لها القَرَارَ فاسْتَقَرَّتِ ** وشَدَّها بالراسياتِ الثُّبّتِ

الثاني: يعني قال لها، قاله السدي.
الثالث: أمرها، قاله مجاهد.
وفيما أوحى لها وجهان:
أحدهما: أوحى لها بأن تحدث أخبارها.
الثاني: بأن تخرج أثقالها.
ويحتمل ثالثاً: أوحى لها بأن تزلزل زلزالها.
{يومئذٍ يَصْدُرُ الناسُ أَشْتاتاً} فيه قولان:
أحدهما: أنه يوم القيامة يصدرون من بين يدي الله تعالى فرقاً فرقاً مختلفين في قدرهم وأعمالهم، فبعضهم إلى الجنة وهم أصحاب الحسنات، وبعضهم إلى النار وهم أصحاب السيئات، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنهم في الدنيا عند غلبة الأهواء يصدرون فرقاً، فبعضهم مؤمن، وبعضهم كافر، وبعضهم محسن، وبعضهم مسيء، وبعضهم محق، وبعضهم مبطل.
{ليُرَوْا أَعْمالَهم} يعني ثواب أعمالهم يوم القيامة.
ويحتمل ثالثاً: أنهم عند النشور يصدرون أشتاتاً من القبور على اختلافهم في الأمم والمعتقد بحسب ما كانوا عليه في الدنيا من اتفاق أو اختلاف ليروا أعمالهم في موقف العرض من خير أو شر فيجازون عليها بثواب أو عقاب، والشتات: التفرق والاختلاف، قال لبيد:
إنْ كُنْتِ تهْوينَ الفِراقَ ففارقي ** لا خيرَ في أمْر الشتات

{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه} في هذه الآية ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن معنى يَرَه أي يعرفْهُ.
الثاني: أنه يرى صحيفة عمله.
الثالث: أن يرى خير عمله ويلقاه.
وفي ذلك قولان:
أحدهما: يلقى ذلك في الآخرة، مؤمناً كان أو كافراً، لأن الآخرة هي دار الجزاء.
الثاني: أنه إن كان مؤمناً رأى جزاء سيئاته في الدنيا، وجزاء حسناته في الآخرة حتى يصير إليها وليس عليه سيئة.
وإن كان كافراً رأى جزاء حسناته في الدنيا، وجزاء سيئاته في الآخرة حتى يصير إليها وليس له حسنة، قاله طاووس.
ويحتمل ثالثاً: أنه جزاء ما يستحقه من ثواب وعقاب عند المعاينة في الدنيا ليوفاه في الآخرة.
ويحتمل المراد بهذه الآية وجهين:
أحدهما: إعلامهم أنه لا يخفى عليه صغير ولا كبير.
الثاني: إعلامهم أنه يجازي بكل قليل وكثير.
وحكى مقاتل بن سليمان أنها نزلت في ناس بالمدينة كانوا لا يتورعون من الذنب الصغير من نظرة أو غمزة أو غيبة أو لمسة، ويقولون إنما وعد الله على الكبائر، وفي ناس يستقلون الكسرة والجوزة والثمرة ولا يعطونها، ويقولون إنما نجزى على ما تعطيه ونحن نحبه، فنزل هذا فيهم.
وروي أن صعصعة بن ناجية جد الفرزدق أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقرئه، فقرأ عليه هذه الآية، فقال صعصعة: حسبي حسبي إن عملت مثقال ذرة خيراً رأيته، وإن عملت مثقال ذرة شراً رأيته.
وروى أبو أيوب الأنصاري: قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه يتغذيان إذا نزلت هذه السورة، فقاما وأمسكا.